فصل: باب: من تسمى بأسماء الأنبياء عليهم السلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب ما جاء فى قول الرجل ويلك

- فيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ رسُول اللَّه عليه السلام رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏ارْكَبْهَا‏)‏، قَالَ‏:‏ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ‏:‏ ‏(‏ارْكَبْهَا‏)‏، وَيْلَكَ، فِى الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، كَانَ النَّبِىّ عليه السلام فِى سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلامٌ لَهُ أَسْوَدُ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَنْجَشَةُ، يَحْدُو، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو بَكْرَة، أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ، ثَلاثًا‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيد، بَيْنَا النَّبِى عليه السلام يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ يقسم قِسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ- رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ-‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، قَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏؟‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِىّ عليه السلام فَقَالَ‏:‏ هَلَكْتُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْحَكَ وَمَا أهَلَكْك‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَقَعْتُ عَلَى امرأتِى فِى رَمَضَانَ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِى عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن عُمَر، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَيْلَكُمْ- أَوْ وَيْحَكُمْ، شَكَّ شُعْبَةُ- لا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا‏)‏‏؟‏‏.‏

قال سيبوية‏:‏ ويلك كلمة تقال لمن وقع فى هلكه، ويحك ترحم بمعنى ويل‏.‏

وقال بعض أهل اللغة‏:‏ ولا يراد بها الدعاء بإيقاع الهلكة لمن خوطب بها، وإنما يراد به المدح والتعجب كما تقول العرب‏:‏ ويل أمه مسعر حرب على عادتها فى نقلها الألفاظ الموضوعة فى بابها إلى غيره، كما يقال‏:‏ انج، ثكلتك أمك، وتربت يداك‏.‏

وروى يحى بن معين قال‏:‏ حدثنا معتمر بن سليمان قال‏:‏ قال لى أبى‏:‏ أنت حدثتنى عنى عن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال‏:‏ ويح كلمة رحمة‏.‏

باب‏:‏ علامة الحب فى الله

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله‏}‏ - فيه‏:‏ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِى عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ وَقَالَ ابْن مَسْعُود، مرة‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىّ عليه السلام فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِى رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِى عليه السلام فَقَالَ‏:‏ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏مَا أَعْدَدْتَ لَهَا‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صَوْمٍ وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ علامة حب الله حب رسوله واتباع سبيله والاقتداء بسنته؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ‏(‏وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏ فدل هذا أن من أحب عبدًا فى الله فإن الله جامع بينه وبينه فى جنته ومدخله مدخلة وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله‏:‏ ‏(‏ولم يلحق بهم‏)‏ يعنى فى العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى- والله أعلم- أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب واعتقادًا لها أثاب الله معتقدًا ذلك ثواب الصالحين إذ النية هى الأصل والعمل تابع لها، والله يوتى فضله من يشاء‏.‏

باب‏:‏ قول الرجل للرجل اخسأ

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، أَنّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لابْنِ صَائِدٍ‏:‏ ‏(‏قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ الدُّخُّ قَالَ‏:‏ ‏(‏اخْسَأْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عُمَر، أَنّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لابْنِ صَائِدٍ‏:‏ ‏(‏اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، وذكر الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ أخسأ زجر للكب وإبعاد له، هذا أصل هذه الكلمة عند العرب ثم استعملت فى كل من قال أو فعل ما لا ينبغى له مما زجره فبعد، وفى القرآن‏:‏ ‏(‏كونوا قردة خاسئين‏)‏ أى‏:‏ مبعدين، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اخسئوا فيها ولا تكلمون‏)‏ أى‏:‏ ابعدوا بعد الكلاب ‏(‏ولا تكلمون‏)‏ فى رفع العذاب عنكم فكل من عصى الله سقطت حرمته ووجب خطابه بالغلظة والشدة والذم له لينزع عن مذهبه ويرجع عن قبيح فعله‏.‏

وقالوا‏:‏ ‏(‏فرضه النبى‏)‏ من رواه بالضاد فمعناه دفعه حتى وقع فتكسر يقال‏:‏ رض الشىء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر، ومن رواه بالصاد فمعناه رصه حتى دخل بعضه فى بعض يقال‏:‏ رص البنيان والقوم فى الحرب رصًا، إذا قرب بعضها إلى بعض، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كأنهم بنيان مرصوص‏)‏‏.‏

وفيه‏:‏ أن الله لم يطلع نبيه على الدجال متى يخرج فى أمته وأخفى عنه ذلك لما هو أعلم به، فلا علم لنبى مرسل ولاملك مقرب إلا بما أعلمه الله به ولذلك قالت الملاكة‏:‏ ‏(‏لا علم لنا إلا ما علمتنا‏)‏‏.‏

باب قول الرجل مرحبا

وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ قَالَ النَّبِى عليه السلام لِفَاطِمَةَ‏:‏ ‏(‏مَرْحَبًا بِابْنَتِى‏)‏ وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ‏:‏ جِئْتُ إِلَى النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم لوَفْدُ عَبْدِالْقَيْسِ‏:‏ ‏(‏مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى‏)‏، الحديث‏.‏

قال الأصمعى‏:‏ معنى قوله ‏(‏مرحبًا‏)‏ لقيت رحبًا وسعة، وقال الفراء‏:‏ هو منصوب على المصدر وفيه معنى الدعاء والرحب، والترحب‏:‏ السعة، وتقول العرب‏:‏ مرحبًا وأهلاً وسهلاً أى لقيت أهلاً كأهلك ولقيت سهلاً أى سهلت عليك أمورك‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏غير خزايا‏)‏ يعنى غير مخزنين بل مكرمين مرفعين‏.‏

ولا ندامى يعنى‏:‏ غير نادمين بل مغتبطين فرحين بما أنعم الله عليهم من عز الإسلام، وتصديق النبى ونصرته ودعاء قومهم إلى دينه‏.‏

باب‏:‏ هل يدعى الناس بآبائهم

- فيه‏:‏ ابْن عُمَر، أَنّ النَّبِى عليه السلام قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ مصداق هذا الحديث فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلناكم شعوبًا وقبائل‏)‏ قال أهل التفسير‏:‏ الشعوب النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب يقال فلان من بنى فلان، غير أن النسب إلى الآباء وإن كان هو الأصل فقد جاء فى الحديث أن يدعى المرء بأحب أسمائه إليه، وأحبها إليه أن يدعى بكنيته لما فى ذلك من توقيرة والدعاء بالآباء أشد فى التعريف وأبلغ فى التميز، وبذلك نطق القرآن والسنة‏.‏

وقد كان الأعراب الجفاء يأتون النبى عليه السلام وهو جالس مع أصاحبه فيقولون‏:‏ أيكم محمد بن عبد المطلب، ولايذكرون ما شرفه الله من النوبة المعصومة والرسالة المؤيدة فلا ينكر ذلك عليهم لما خصه الله به من الخلق العظيم، وجبله عليه من الطبع الشريف‏.‏

وفى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏هذه غدرة فلان بن فلان‏)‏ رد لقوله من زعم أنه لا يدعى الناس يوم القيامة إلا بأمتهم؛ لأن فى ذلك سترًا على آبائهم، وهذا الحديث خلاف قولهم‏.‏

وفيه‏:‏ جواز الحكم بظواهر الأمور إذا لم يمكن علم بواطنها؛ لأنه قد يجوز أن يكون كثير من الناس ممن يدعى إلى أبيه فى الظاهر، وليس كذلك فى الباطن، ودل عموم هذا الحديث على أنه إنما يدعى الناس بالآباء ولايلزم داعيهم البحث عن حقيقة أمورهم والتنقير عنهم‏.‏

باب لا يقل خبثت نفسى ولكن ليقل لقست نفسى

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، وَسَهْل بْن سعد، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ‏:‏ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ‏:‏ لَقِسَتْ نَفْسِى‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ كان النبى يعجبه الاسم الحسن ويتفائل به ويكره الاسم القبيح ويغيره، وكره عليه السلام لفظ الخبيث إذ الخبث حرام على المؤمنين، وقال أبو عبيد‏:‏ لقسمت وخبثت واحد لكنه استقبح لفظ خبثت‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وليس قوله عليه السلام ‏(‏لا يقولن أحدكم خبثت نفسى‏)‏ على معنى الأيحاء والحتم، وإنما هو من باب الأدب، فقد قال فى الذى يعقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد وينام عن صلاة‏:‏ ‏(‏أصبح خبيث النفس كسلان‏)‏ وقد نطق القرآن بهذه اللفظة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومثل كلمة خبيئة كشجرة خبيثة‏)‏‏.‏

باب لا تسبوا الدهر

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قَالَ اللَّهُ جَلّ ثناؤه‏:‏ يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْر، َ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلا تَقُولُوا‏:‏ خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ‏)‏‏.‏

قال الخطابى‏:‏ كان أهل الجاهلية يضيفون المصائب والنوائب إلى الدهر الذى هو مر الليل والنهار، وهم فى ذلك فريقان، فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار اللذين هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار، فنسبت المكارة إليه على أنها من فعله، ولا ترى أن لها مدبرًا غيره وهذه الفرقة هى الدهرية التى حكى الله عنهم‏:‏ ‏(‏وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر‏}‏‏.‏

وفرقة ثانية‏:‏ تعرف الخالق فتنزهه أن تنسب إليه المكارة فتضيفها إلى الدهر والزمان، وعلى هذين الوجهين كانوا يذمون الدهر ويسبونه، فيقول القائل منهم‏:‏ ياخيبة الدهر، ويا بؤس الدهر، فقال لهم النبى عليه السلام مبطلا ذلك من مذهبهم‏:‏ ‏(‏لا تسبوا الدهر على أنه الدهر، فإن الله هو الدهر‏)‏ يريد والله أعلم‏:‏ لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنع بكم، فإن الله هو الفاعل له، فإذا سببتم الذى أنزل بكم المكارة رجع السب إلى الله وانصرف إليه‏.‏

ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏أنا الدهر‏)‏‏:‏ أنا ملك الدهر ومصرفه فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا فى المعنى، وبيان هذا فى حديث أبى هريرة حدثنا ابن الأعرابى، حدثنا محمد سعيد بن غالب، حدثنا ابن نمير حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبى صالح، عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏يقول الله‏:‏ أنا الدهر، بيدى الليل والنهار أجده وأبليه، وأذهب بالملوك وآتى بهم‏)‏‏.‏

روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهرى، عن ابن المسيب، عن أبى هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏يقول الله تعالى‏:‏ يؤذينى ابن آدم، يقول‏:‏ ياخيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم ياخيبة الدهر، وإنى أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، وإذا شئت قبضتها‏)‏‏.‏

وقال ابن النحاس‏:‏ يجوز فيه نصب الراء من قوله‏:‏ ‏(‏إن الله هو الدهر‏)‏ والمعنى‏:‏ فإن الله معمر الدهر أى‏:‏ مقيم أبدأ الدهر‏.‏

باب‏:‏ قول النبى عليه السلام وإنما الكرم قلب المؤمن

وَقَدْ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِى يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ لا مُلْكَ إِلا لِلَّهِ، فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا‏}‏ ‏[‏النمل 34‏]‏‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وَيَقُولُونَ الْكَرْمُ، إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏إنما الكرم قلب المؤمن‏)‏ وإنما المفلس والصرعة وإنما هو على المبالغة، أى ليس المفلس كل والإفلاس إلا من لم تكن له حسنات يوم القيامة من أجل أنه قد يكون فى الدنيا مفلس من المال، وهو غنى يوم القيامة بحسناته، والغنى فى الدنيا قد يكون مفلسًا يوم القيامة، وهذا على المبالغة، وكذلك الصرعة، ليس الذى يغلب الناس ويصرعهم بقوته، وإنما الصرعة الذى يملك نفسه‏.‏

وغرضه فى هذا الباب- والله أعلم- أن يعرف بمواقع الألفاظ المشتركة، وأن يقتصر فى الوصف على ترك المبالغة والإغراق فى الصفات إذا لم تستحق الموصوف ذلك ولا يبلغ النهايات فى ذلك إلا فى مواضعها، وحيث يليق الوصف بالنهاية وقال ابن الأنبارى‏:‏ سمى الكرم كرمًا؛ لأن الخمر المشروبة من عنبه تحث على السخاء وتأمر بمكارم الأخلاق كما سموها راحًا قال الشاعر‏:‏

والخمر مشتقة المعنى من الكرم ***

ولذلك قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تسموا العنب الكرم‏)‏ كره أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن الذى يتقى شربها ويرى الكرم فى تركها أحق بهذا الاسم الحسن‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ قال رجل من أهل الطائف‏:‏ شققت من الصبا واشتق منى كما اشتقت من الكرم الكروم

باب قول النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فداك أبى وأمى‏)‏

فيه الزبير - وفيه‏:‏ عَلِىّ، قَالَ‏:‏ مَا سَمِعْتُ النَّبِىّ عليه السلام يُفَدِّى أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏ارْمِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى‏)‏، أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ‏.‏

قد تقدم معنى تفدية الرجل لأخيه فى كتاب الجهاد ونذكر هنا مالم يمض هناك‏.‏

قال الطبرى‏:‏ إن قال قائل‏:‏ قول على‏:‏ ‏(‏ماسمعت النبى- على السلام- يفدى رجلا غير سعد‏)‏ هل يعارض حديث الزبير؛ فقد روى هشام بن عروة، عن أبيه ‏(‏أن عبد الله بن الزبير قال يوم الخندق للزبير‏:‏ ياأبه، لقد رأيتك تحمل على فرسك الأشقر‏.‏

قال‏:‏ هل رأيتنى أى بنى‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ كان رسول الله يجمع لأبيك أبويه، يقول‏:‏ احمل فداك أبى وأمى‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وقول الزبير غير دافع صحة ماقال عليّ؛ لأن عليًا إنما أخبر عن نفسه أنه لم يسمع النبى جمع أبويه لأحد غير سعد، فجائز أن يكون جمع للزبير أبويه ولم يسمعه على وسمعه الزبير، فأخبر كل واحد منهما بما سمع، وليس فى قول من قال‏:‏ لم أسمع فلانًا يقول كذا نفى منه أن يكون سمع ذلك منه غيره، ولا فى قول من قال‏:‏ سمعت فلانًا يقول يقول كذا إيجاب منه أن يكون لا أحد إلا وقد سمع ذلك الخبر منه‏.‏

باب قول الرجل‏:‏ جعلنى الله فداك

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِى عليه السَّلام‏:‏ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا‏.‏

- فيه‏:‏ أَنَس، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِى عليه السلام وَمَعَه صَفِيَّةُ مُرْدِفُهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِى عليه السلام وَالْمَرْأَةُ، وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ‏:‏ أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى النَّبِيّ عليه السلام فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِى اللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَىْءٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ‏)‏، فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وفى هذا الباب رد قول من لم يجز تفديه الرجل للرجل بنفسه أو بأبويه، زعموا أنه فدى النبى سعدًا بأبويه، لأنهما كانا مشتركين، فأما المسلم فلا يجوز له ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ وروى عن عمر بن الخطاب أن رجلا قال له‏:‏ جعلنى الله فداك‏.‏

قال‏:‏ إذًا يهينك الله‏.‏‏.‏

وقد ثبت فى هذا الباب عن الصديق، وعن أبى طلحة أنهما فديا النبى فلم ينكر ذلك عليهما، ولأنهاهما عنه، وقد تقدم فى كتاب الجهاد متصلا بباب الترسة‏.‏

باب‏:‏ قول الرجل لصاحبه يا أبا فلان وأحب الأسماء إلى الله

- فيه‏:‏ جَابِر، قَالَ‏:‏ وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا‏:‏ لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلا كَرَامَةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِى عليه السلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَالرَّحْمَنِ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ جاء فى هذا الحديث عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ يصفى للمرء ود أخيه المسلم أن يدعوه بأحب الأسماء إليه، ويوسع له فى المجلس ويسلم عليه إذا لقيه، وإذا قال له يا أبا فلان وكناه فقد أكرمه وتلطف له فى القول، وذلك مما يثبت الود‏.‏

وروى ابن لهيعة عن أبى قبيل عن عبد الله بن عمر، عن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏تكنوا فإنه أكرم للمكنى والمكنى‏)‏‏.‏

وأما أحب الأسماء إلى الله فذكر أبو داود بإسناده عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏أحب الأسماء إلى الله- عز وجل- عبد الله وعبد الرحمن‏)‏ وعن عوف، عن الحسن قال‏:‏ بلغنى أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏من خير أسمائكم عبد الله وعبد الرحمن‏)‏‏.‏

باب قول النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى‏)‏

- فيه‏:‏ ‏[‏سقط‏]‏ قال الطبرى‏:‏ إن قال قائل‏:‏ ماوجه هذا الحديث وقد جمع جماعة من أصحاب النبى عليه السلام بين اسمه وكنيته منهم على بن أبى طالب كنى ابنه محمد ابن الحنفية‏:‏ أبا القاسم‏؟‏ قيل‏:‏ قد اختلف السلف فبلنا فى ذلك، فقالت طائفة‏:‏ غير جازلأحد أن يكنى نفسه أو ولده أبا القاسم، أو إن يسميه قاسما ليكنى الأب أبا القاسم، فأما أن يسمى ابنه محمدًا فذلك له، واعتلوا بحديث جابر وأبى هريرة، قالوا‏:‏ فأذن النبى بالتسمى باسمه، ونهى عن التكنى بكنيته‏.‏

ذكر من روى ذلك عنه‏:‏ روى ابن سيرين قال‏:‏ كان مروان بن الحكم يسمى ابنه القاسم، وكان رجل الأنصار يسمى ابنه القاسم، فلما بلغهما هذا الحديث بالنهى سمى مروان عبد الملك، وغير الأنصارى اسم ابنه‏.‏

وقال ابن عون‏:‏ سالت ابن سيرين عن الرجل يكنى بكنية النبى ولم يسم باسمه، أيكره‏؟‏ قال‏:‏ نعن‏.‏

وقال زبيد الأيامى‏:‏ كان الرجل منا إذا يكنى بأبى القاسم كنيناه أبا القاسم‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ غير جائز أن يجمع أحد بين اسم النبى وكنيته، فإن سماه محمدًا لم يكن له أن يكنيه أبا القاسم، فإن كناه أبا القاسم ولم يكن له أن يسميه محمدًا ولا أحمد، واعتلوا بما حدثنا به يوسف بن موسى القطان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الدستوائى، حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏من تسمى باسمى فلا يتكنين بكنيتى، ومن تكنى بكنيتى فلا يستمين باسمى‏)‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ جائز‏:‏ أن يجمع بين اسم النبى وكنيته، واعتلوا بما حدثنا محمد بن خلف، حدثنا محمد بن الصلات، حدثنا الربيع بن منذر الثورى، عن أبيه، عن محمد ابن الحنيفة قال‏:‏ ‏(‏وقع بين على وبين طلحة كلام، فقال له طلحة‏:‏ إنك لجرىء جمعت بين اسم رسول الله وكنيته، وقد نهى رسول الله عن ذلك‏.‏

فقال له على‏:‏ الجرىء كل الجررىء من قال على رسول الله مالم يقل‏.‏

ثم استشهد على أناسًا فشهدوا له أن رسول الله رخص له فى ذلك، وقد سمى طلحة ابنه محمدًا وكناه أبا القاسم‏)‏ ولو صح حديثه ماخالف مارواه عن النبى عليه السلام وقال‏:‏ إذن النبى لعلى أن يسمى ابنه محمدًا ويكنيه أباالقاسم إطلاق منه ذلك لجميع أمته؛ إذ لم يخبر أنه خص بذلك عليا دون سائر أمته‏.‏

وقد سمى ولده باسم النبى وكناه بكنيته جماعة من السلف‏.‏

وروى عشيم عن كغيرة عن إبراهيم أن محمد بن الأشعث كان يكنى أبا القاسم وكان يدخل على عائشة فتكنيه بذلك روان بن معاوية، عن محمد بن عمران الحجبى عن جدته صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت‏:‏ جاءت امرأة إلى النبى عليه السلام فقالت‏:‏ يارسول الله، ولد لى غلم فسميته محمدًا وكنيته بأبى القاسم، فبلغنى أنك تكره ذلك، فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏ما حرم اسمى وأحل كنيتى وما حرم كنيتى وأحل اسمي‏)‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ غير جائز لأحد أن يسمى باسم النبى عليه السلام ذكر من قال ذلك‏:‏ حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام قال‏:‏ حدثنى أبى، عن قتادة، عن سالم بن أبى الجعد قال‏:‏ كتب عمر إلى أهل الكوفة الا تسموا أحدًا باسم نبى‏.‏

واعتلوا بما حدثنى محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا الحكم بن عطية، عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ قال النبى- عله السلام- ‏(‏تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنوهم‏)‏‏.‏

قال الطبري‏:‏ والصواب عندنا أن يقال كل هذه الأخبار عن النبي صحيح، وليس فى شىء منها مايدفع غيره ولا ينسخه، ولو كان فيها ناسخ أو منسوخ لنقلت الأمة بيان ذلك، وإنما كان نهى النبي عن التكنى بكنيته تكرهًا إعلامًا منه أمته أن الجميع بين اسمه وكنيته أو التكنى بكنيته على الكراهة لا على التحريم، وذلك أنه لو كان على التحريم لم تجهل الأمة ذلك ولم يطلق المهاجرون والأنصار ذلك لمن فعله ولأنكروه، وفى تركهم إنكاره دليل على صحة قولنا‏.‏

وقال غير الطبرى‏:‏ وإنما نهى النبي عليه السلام أن يجمع بين اسمه وكنيته تعزيزًا له وتوقرًا؛ لئلا يدعى غيره باسمه فيظن عليه السلام أنه هو المدعو به فيعنت بذلك، وقد روى غيره أن هذا المعنى كان سبب هذا الحديث، روى أبو عيسى الترمذى‏:‏ حدثنا الحسن بن على الخلال، حدثنا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، عن النبي‏:‏ ‏(‏أنه سمع رجلا ينادى فى السوق ياأبا القاسم، فالتفت عليه السلام، فقال له الرجل‏:‏ لم أعنك، فقال عليه السلام‏:‏ لا تكنوا بكنيتى‏)‏ وقد أمر الله عباده المؤمنين أن لا يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضًا، وأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، ولايجهروا له بالقول، وهذا كله حض على توقره وإجلاله وتخصيصه بكنيته لا يدعى بها غيره من إجلاله وتوقرة‏.‏

باب‏:‏ اسم الحزن

- فيه‏:‏ ابْن الْمُسَيَّب، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ عليه السَّلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا اسْمُكَ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَزْنٌ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْتَ سَهْلٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ لا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى‏.‏

قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ‏:‏ فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُه‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الحديث يدل أن أمره عليه السام بتغيير الأسماء المكروهة ليس على وجه الوجوب، وأن ذلك على معنى الكراهية؛ لأنه لو كان على معنى الوجوب لم يجز لجد سعيد الثبات على حزن، ولاسوغ النبي ذلك، وسيأتى بعد هذا‏.‏

وروى أبو دود‏:‏ حدثنا مسدد، حدثنا هشيم، عن داود بن عمرو، عن عبد الله بن أبى زكريا، عن أبى الدرداء قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم‏)‏‏.‏

باب‏:‏ تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه

- فيه‏:‏ سَهْل، أُتِىَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَا النَّبِي عليه السلام بِشَىْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ، فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفَاقَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَيْنَ الصَّبِىُّ‏)‏‏؟‏ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ‏:‏ قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏مَا اسْمُهُ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ فُلانٌ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ‏)‏، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ‏:‏ تُزَكِّى نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام زَيْنَبَ‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْن الْمُسَيَّب، أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا اسْمُكَ‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ اسْمِى حَزْنٌ، قَالَ‏:‏ ‏(‏بَلْ، أَنْتَ سَهْلٌ‏)‏، قَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قد قدمنا قبل هذا أن النبي عليه السلام كأن يعجبه تغيير الاسم القبيح بالاسم الحسن على وجه التفاؤل والتيمن؛ لأنه كان يعجبه الفأل الحسن، وقد غير رسول الله عدة أسامى، غير برة بزينب وحول اسم عبد الله بن عمرو بن العاص إلى عبد الله كراهة لاسم العصيان الذى هو مناف لصفة المؤمن، وإنما شعار المؤمن الطاعة وسمته العبودية‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فلا ينبغى لأحد أن يتسمى باسم قبيح المعنى، ولا باسم معناه التزكية والمدجح، ولا باسم معناه الذم والسب، بل الذى ينبغى أن يسمى به ما كان حقًا وصدقًا، كما أمر الذى سمى بنه القاسم أن يسميه عبد الرحمن، إذ كان الصدق الذى لا شك فيه أنه عبد الرحمن فسماه بحقيقة معناه، وإن كانت الأسماء العوارى لم توضع على المسميات لصفاتها بل للدلالة على أشخاصها خشية أن يسمع سامع باسم العاصى فيظن أن ذلك له صفة، وأنه إنما سمى بذلك لمعصية ربه، فحول ذلك عليه السلام إلى ما لإذا دعى به كان صدقًا‏.‏

وأما تحويله بره إلى زينب؛ فلأن ذلك كان تزكية ومدحًا فحوله إلى ما لا تزكيه فيه ولا ذم، وعلى هذا النحو سائر الأسماء التى غيرها رسول الله، فأولى الأسماء أن يتسمى بها أقربها إلى الصدق وأحرها أن لا يشكل على سامعها؛ لأن الأسماء إنما هى للدلالة والتعريف، وبهذا وردت الآثار عن النبى- عليه السلام‏.‏

روى أبو داود فى مصنفه حدثنا عن أبى وهب الخشنى- وكانت له صحبة، عن النبى عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏أحب الأسماء إلى الله‏:‏ عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبها حرب ومرة‏)‏ وروى عطاء عن أبى سعيد الخدرى قال‏:‏ قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تسموا أبناءكم حكما ولا أبا الحكم، فإن الله هو الجكيم العليم‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وليس تغيير رسول الله ماغير من الأسماء على وجه المنع للتسمى بها؛ بل ذلك على وجه الاختيار؛ لأن الأسماء لم يسم لها لوجود معانيها فى المسمى بها، وإنما هى للتمييز، ولذلك أباح المسلمون أن يتسمى الرجل القبيح بحسن، والرجل الفاسد بصالح، يدل على ذلك قول جد ابن المسيب للنبى عليه السلام حين قال له أنت سهل‏:‏ ماكنت أغير اسما سمانيه أبى، فلم يلزمه الانتقال عنه على كل حال، ولا جعله بثباته عليه آثما بربه، ولو كان آثما بذلك لجبره على النقلة عنه، إذ غير جائز فى صفته عليه السلام أن يرى منكرًا وله إلى تغييره سبيل‏.‏

باب‏:‏ من تسمى بأسماء الأنبياء عليهم السلام

- فيه‏:‏ إِسْمَاعِيلُ، قُلْتُ لابْنِ أَبِى أَوْفَى‏:‏ رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِىَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ عليه السلام نَبِىٌّ عَاشَ ابْنُهُ، وَلَكِنْ لا نَبِىَّ بَعْدَهُ‏.‏

- وفيه‏:‏ الْبَرَاءَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِى الْجَنَّةِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ جَابِر، قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سَمُّوا بِاسْمِى، وَلا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيرَةَ، عن النَّبِىّ مثله‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو مُوسَى، قَالَ‏:‏ وُلِدَ لِى غُلامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، قَالَ‏:‏ كسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ‏.‏

ورَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِى عليه السَّلام‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذه الأحاديث تدل على جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام، وقد قال سعيد بن المسيب‏:‏ أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء، وقد يرد قول من كره التسمية بأسماء الأنبياء، وهى رواية جاءت عن عمر بن الخطاب، عن طريق قتادة، عن سالم بن أبى الجعد قال‏:‏ كتب عمر إلى أهل الكوفة ألا يتسمى أحد باسم نبى، وقد مر فى باب قوله‏:‏ ‏(‏تسموا باسمى، ولاتكنوا بكنيتى‏)‏‏.‏

وذكر الطبرى أن حجة هذا القول حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس قال النبى‏:‏ ‏(‏تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنوهم‏)‏ والحكم بن عطية ضعيف، ذكره البخارى فى كتاب الضعفائ، وقال‏:‏ كان أبو الوليد يضعفه، وليس قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنوهم‏)‏ لو صح عن النبى عليه السلام بمانع أن يتسمى أحد باسم محمد، فقد أطلق ذلك وأباحه بقوله‏:‏ ‏(‏تسموا باسمى‏)‏ وسمى ابنه إبراهيم باسم الخليل- عليل السلام وإنما فيه النهى عن أن يسمى أحد ابنه محمدًا ثم يلعنه‏.‏

باب‏:‏ تسمية الوليد

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا رَفَعَ النَّبِى عليه السلام رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الحديث يرد ماروى معمر الزهرى قال‏:‏ ‏(‏أراد رجل أن يسمى ابنًا له الوليد، فنهاه النبى وقال‏:‏ إنه سيكون رجل اسمه الوليد يعمل فى أمتى كما عمل فرعون فى قومه‏)‏ و حديث أبى هريرة أثبت فى الحجة من بلاغ الزهرى، فهو أولى منه‏.‏

باب‏:‏ من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا

وَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ‏:‏ قَالَ لىِّ النَّبِىَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يَا أَبَا هر‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ‏)‏، قُلْتُ‏:‏ وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ‏:‏ وَهُوَ يَرَى مَا لا أَرَى‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم لأَنْجَشَةُ‏:‏ ‏(‏يَا أَنْجَشُ، رُوَيْدَكَ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ‏)‏‏.‏

أما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ياعائش‏)‏ ‏(‏يا أنجش‏)‏ فهو من باب النداء المرخم، والترخيم‏:‏ نقصان أواخر الأسماء، تفعل ذلك العرب على وجه التخفيف، ولاترخم ماليس منادى إلا فى ضرورة الشعر ولاترخم من الأسماء إلا ماكان من ثلاثة أحرف؛ لأن الثلاثة أقل الأصول إلا ماكان فى آخره هاء التأنيث فإنه يرخم قلت حروفه أو كثرت، فتقول فى ترخيم عائشة وأنجشة‏:‏ ياعائش، وياأنجش، وفى ترخيم مالك‏:‏ يامال أقبل، ويا حار للحارث، وفى ترخيم جعفر‏:‏ ياجعف أقبل فنخذف الراء وندع ماقبلها على حركته، ومن العرب من إذا رخم الاسم حذف منه آخره وجعل مابقى اسمًا على حيالة بمنزلة اسم لم يكن فيه ماحذف منه فبناه على الضم فقال‏:‏ يامال، وياحار، وياجعف، فيجوز على هذا ياعائش وياأنجش‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏ياأبا هر‏)‏ فليس من باب الترخيم، وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير؛ لأن أبا هريرة كناه النبى عليه السلام بتصغير هرة كانت له فخطابه باسمها مذكرًا فهو وإن كا نقصانًا من اللفظ ففيه زيادة فى المعنى‏.‏

باب‏:‏ الكنية للصبى وقبل أن يولد للرجل

- فيه‏:‏ أَنَس، كَانَ النَّبِى عليه السلام أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَبُو عُمَيْرٍ- قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا- وَكَانَ إِذَا جَاءَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ‏)‏‏؟‏ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاةَ، وَهُوَ فِى بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ، فَيُكْنَسُ، وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا‏.‏

الكنية إنما هى على معنى الكرامة والتفاؤل أن يكون أبا ويكون له ابن، وإذا جاز أن يكنى الصبى فى صغره، فالرجل قبل أن يولد له أولى بذلك‏.‏

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ عجلوا بكنى أولادكم لا تسرع إليهم ألقاب السوء‏.‏

وهذا كله من حسن الأدب ومما يثبت الود، وفى هذا الحديث جواز المزاح مع الصبى الصغير‏.‏

وفيه‏:‏ جواز لعب الصبيان الصغار بالطير، واتخاذها لهم وتسليتهم بها‏.‏

وفيه‏:‏ استعمال النضح فيما يشك فى طهارته ولم تتيقن نجاسته‏.‏

باب‏:‏ التكنى بأبى تراب وإن كانت له كنية أخرى

- فيه‏:‏ سَهْل، إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِىّ إِلَيْهِ لأبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ ندعوه بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلا النَّبِى صلى الله عليه وسلم، غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ، فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ النَّبِى عليه السلام يَتْبَعُهُ، فَقَالَ‏:‏ هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِى الْجِدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبِى صلى الله عليه وسلم، وَامْتَلأ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِى عليه السلام يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ، وَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ الكنية موضوعة لإكرام المدعو بها وإتيان مسرته؛ لأنه لا يتكنى المرء إلا بأحب الكنى إليه، وهو مباح له أن يتكنى بكنيتين إن اختار ذلك ولاسيما إن كناه بإحداهما رجل صالح أو عالم، فله أن يتبرك بكنيته لأن عليا كان أحب الكنى اليه‏:‏ أبا تراب‏.‏

وفى هذا الحديث أن أهل الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجه ماجبل الله عليه البشر من الغضب والحرج حتى يدعوهم ذلك إلى الخروج عن بيوتهم، وليس ذلك بعائب لهم‏.‏

وفيه ما جبل الله عليه رسوله من كرم الأخلاق وحسن المعاشرة وشدة التواضع، وذلك أنه طلب عليا وأتبعه حتى عرف مكانه ولقيه بالدعابة، وقال له‏:‏ ‏(‏اجلس أبا تراب‏)‏ ومسح التراب عن ظهره ليبسطه ويذهب غيظه وتسكن نفسه بذلك، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته‏.‏

وفيه من الفقه الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم وقد تقدم هذا المعنى فى كتاب الاستئذان فى باب القائلة فى المسجد، وتقدم الحديث أيضًا فى باب نوم الرجل فى المسجد فى كتاب الصلاة‏.‏

باب‏:‏ أبغض الأسماء إلى الله

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أَخْنَى الأسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ رِوَايَةً، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ- وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ‏:‏ أَخْنَعُ الأسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ- رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأمْلاكِ‏)‏، قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ‏:‏ شَاهَانْ شَاهْ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ شاهان شاه بالفارسية هو ملك الملوك‏.‏

وقد روى سفيان، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد قال‏:‏ أكره الأسماء إلى الله ملك الأملاك وإنما كان ملك الأملاك أبغض إلى الله وأكره إليه أن يسمى به مخلوق؛ لأنه صفة الله، ولا تليق بمخلوق صفاته ولا أسماؤه، ولا ينبغى أن يتسمى أحد بشيء من ذلك لأن العباد لا يصفون إلا بالذل والخضوع والعبودية وقد تقدم حديث عطاء عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تسموا أبناءكم حكما ولا أبا الحكم؛ فإن الله هو الحكيم العليم‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أخنع الأسماء عند الله‏)‏ معناه‏:‏ أذل الأسماء عند الله قال صاحب الأفعال‏:‏ يقال‏:‏ خنع الرجل إذا ذل وأعطى الحق من نفسه‏.‏

فعاتب الله من طلب الرفعة فى الدنيا بما لا يحل له من صفات ربه بالذل يوم القيامة، كما جاء فى الحديث‏:‏ ‏(‏إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة فى صور الذر يطوؤهم الناس بأقدامهم‏)‏‏.‏

باب كنية المشرك

وَقَالَ الْمِسْوَرٌ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِى عليه السلام يَقُولُ‏:‏ ‏(‏إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ أُسَامَةَ، أَنَّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أَى سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ‏)‏- يُرِيدُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ-‏؟‏ فَعَفَا عَنْهُ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأذَى، قَالَ اللَّهُ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَتَسْمَعُنَّ مِنِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا ‏(‏وَكَانَ النَّبِىّ عليه السلام يَتَأَوَّلُ فِى الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ عباس بن عبد المطلب، قلت‏:‏ يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، هو فى ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار‏)‏‏.‏

فيه‏:‏ جواز كنية المشركين على وجه التألف لهم بذلك رجاء رجوعهم وإسلامهم أو لمنفعة عندهم فأما إذا لم يرج ذلك منهم فلا ينبغى تكنتيتهم، بل يلقون بالإغلاظ والشدة فى ذات الله ألا ترى قوله فى الحديث ‏(‏إن النبى عليه السلام كان يتأول فى العفو عنهم ماأمره الله به حتى أذن له فيهم‏)‏ يعنى أذن له فى قتالهم والشدة عليهم، وآيات الشدة والقتال ناسخة لآيات الصفح والعفو‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ قولك إنه لا يجوز تكنية المشرك إلا على وجه التألف له ورجاء المنفعة بذلك قول حسن، فما معنى تكنية أبى لهب فى القرآن المتلو إلى يوم القيامة، وماوجه التألف ورجاء المنفعة فى ذلك‏؟‏ قيل له‏:‏ ليست تكنية أبى لهب من هذا الباب، ولا من طريق التعظيم للمكنى فى شىء، وقد تأول أهل العلم فى ذلك وجوهًا، أحدها ذكره ثعلب قال‏:‏ إنما كنى الله أبا لهب؛ لأن اسمه عبد العزى، والله تعالى ولايجعله عبدًا لغيره‏.‏

والثانى‏:‏ أخبرت به عن الفقيه ابن أبى زمنين أنه قال‏:‏ اسم أبى لهب عبد العزى، وكنيته أبو عتبة، وأبو لهب لقبه، وأنما لقب به فيما ذكر ابن عباس- لأنه وجهه كان يتلهب جمالا، فليس بكنية‏.‏

والثالث‏:‏ يحتمل أن تكون تكنيته من طريق التجنيس فى البلاغة ومقابلة اللفظ بما شابهه، فكنى فى أول السورة بأبى لهب؛ لقوله في آخرها‏:‏ ‏(‏سيصلى نارًا ذات لهب‏)‏ فجعل الله ماكان يفخر به فى الدنيا ويوينه فى جماله سببًا إلى المبالغة فى خزيه وعذابه، وليس ذلك من طريق الترفيع والتعظيم‏.‏

وقال الطبرى فى حديث العباس‏:‏ فيه الدليل على أن الله تعالى قد يعطى الكافر عوضًا من أعماله التى مثلها تكون قربة لأهل الإيمان بالله؛ لأنه عليه السلام أخبر أن عمه أبا طالب قد نفعته نصرته إياه وحياطته له أن يخفف عنه من العذاب فى الآخرة الذى لو لم ينصره فى الدنيا لم يخفف عنه، فعلم بذلك أن ذلك عوض من الله له مع كفره به لنصرته لرسوله، لا على قرابته منه، فقد كان لأبى لهب من القرابة مثل ماكان لأبى طالب، فلم ينفعه ذلك إذ كان له مؤذيا؛ بل قال تعالى‏:‏ ‏{‏تبت يدا أبى لهب‏)‏‏.‏

والضحضاح من النار‏:‏ الرقيق الخفيف، وكذلك الضحضاح من الماء، ومن كل شىء‏:‏ هو القليل الرقيق منه‏.‏

والدرك الأسفل من النار‏:‏ الطبقة السفلى من أطباق جهنم‏.‏

وقد تأول بعض السلف أن الدرك الأسفل توابيت من نار تطبق عليهم‏.‏

باب‏:‏ المعارض مندوحة عن الكذب

وَقَالَ أَنَس‏:‏ مَاتَ ابْنٌ لأبِى طَلْحَةَ، فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ الْغُلامُ‏؟‏ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ‏:‏ هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ‏.‏

- فيه‏:‏ أَنَس، كَانَ النَّبِى عليه السلام فِى سَفَرٍ لهُ، فحْدا الحادي فَقَالَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أرفق يَا أَنْجَشَةُ- ويحك- بِالْقَوَارِيرِ‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو قِلابَةَ‏:‏ يَعْنِى النِّسَاءَ‏.‏

- فيه‏:‏ وَقَالَ أَنَس مرة‏:‏ ‏(‏لا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ‏)‏‏.‏

قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ يَعْنِى ضَعَفَةَ النِّسَاءِ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ النَّبِىّ عليه السلام فَرَسًا لأبِى طَلْحَةَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا‏)‏‏.‏

ذكر الطبرى فى إسناده عن عمر بن الخطاب‏:‏ إن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب‏.‏

وعن ابن عباس قال‏:‏ ماأحب أن لى بمعاريض الكلام كذا وكذا‏.‏

ومعنى مندوحة متسع‏.‏

يقال منه‏:‏ انتدح فلان بكذا ينتدح به انتداحًا إذا اتسع به، وقال ابن الأنبارى‏:‏ يقال‏:‏ ندحت الشىء إذا وسعته‏.‏

وقال الطبرى‏:‏ ويقال‏:‏ انتدحت الغنم فى مرابضها إذا تبددت واتسعت من البطنة‏.‏

وانتدح بطن فلان واندحى- يعنى‏:‏ استخرى واتسع‏.‏

قال المهلب‏:‏ ‏(‏وظن أنها صادقة‏)‏ يعنى‏:‏ بما وردت به من استراحة الحياة وهدوء النفس من تعب العلة، وهى صادقة فى الذى قصدته ولم تكن صادقة فيما اعتقده أبو طلحة وفهمه من ظاهر كلامها، ومثل هذا لا يسمى كذبًا على الحقيقة‏.‏

وقوله فى النساء ‏(‏القوارير‏)‏ شبههن بها؛ لأنهن عند حركة الإبل بالحداء وزيادة مشيها به يخاف عليهن السقوط، فيحدث لهن ما يحدث بالقوارير من التكسر، وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏إنه لبحر‏)‏ شبه جريه بالبحر الذى لا ينقطع، فهذا كله أصل فى جواز المعاريض واستعمالها فيما يجوز ويحل، ونحو هذا ماروى عن ابن سيرين أنه قال‏:‏ ‏(‏كان رجل من باهلة عيونًا فرأى بغله شريح فأعجبته، فقال له شريح‏:‏ إنها إذا ربضت لم تقم حتى تقام- يعنى أن الله هو الذى يقيمها بقدرته- فقال الرجل‏:‏ أف أف- يعنى أنه استصغرها والأف يقال للنتن‏)‏‏.‏

وذكر الطبرى عن الثورى فى الرجل يزوره إخوانه وهو صائم فيكره أن يعلموه بصومه، وهو يحب أن يطعموه عنده، فأى ذلك أفضل؛ ترك ذلك أو إطعامهم‏؟‏ قال‏:‏ إطعامهم أحب إلى، وإن شاء قام عليهم وقال‏:‏ قد أصبت من الطعام‏.‏

ويقول‏:‏ قد تغديت- يعنى‏:‏ أمس أو قبل ذلك‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ المعاريض شىء يتخلص بها الرجل من الحرام إلى الحلال فيتحيل بها، وإنما يكره أن يحتال فى حق فيبطله أو فى باطل حتى يموهه ويشبه أمره‏.‏

وقد قال إبراهيم النخعى‏:‏ اليمين على نية الحالف إذا كان مظلومًا، وإن كان ظالمًا فعلى نية المحلوف له‏.‏

وقد رخص رسول الله فى الكذب للإصلاح بين الناس، والرجل يكذب لامرأته، والكذب فى الحرب فيما يجوز فيه المعاريض، ماروى عن عقبة بن العيزار أنه قال‏:‏ كنا نأتى فيما يجوز فيه المعاريض، ماروى عن عقبة بن العيزار أنه قال‏:‏ كنا نأتى إبراهيم النخعى وكان مختفيًا من الحجاج، فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا‏:‏ إن سئلتم عنى وحلفتم، فاحلفوا بالله ماتدرون أين أنا ولا لنا به علم، ولا فى أى موضع هو، و اعنوا أنكم لا تدرونى فى أى موضع أنا فيه قاعد أو قائم فتكونون قد صدقتم‏.‏

قال عقبة‏:‏ وأتاه رجل فقال‏:‏ إنى آت الديوان وإنى اعترضت على دابة وقد نفقت، وهم يريدون أن يحلفونى بالله أنها هذه التى اعترضت عليها، فكيف أحلف‏؟‏ قال إبراهيم‏:‏ اركب دابة واعترض عليها- يعنى‏:‏ بظنك راكبًا- ثم احلف بالله أنها الدابة التى اعترضت- يعنى بظنك‏.‏

وعاتبت إبراهيم النخعى امرأته فى جاريه له وبيده مروحة، فقال أشهدكم أنها لها- وأشار بالمروحة- فلما خرجنا من عنده قال‏:‏ على أى شىء أشهدكم‏؟‏ قالوا‏:‏ على الجارية‏.‏

قال‏:‏ ألم ترونى أشير بالمروحة‏.‏

وسئل النخعى عن رجل مر بعشار فادعى حقا، فقال‏:‏ أحلف بالمشى إلى بيت الله ما له عندك شىء، واعن مسجد حيك‏.‏

وقال رجل لإبراهيم‏:‏ إن الشيطان أمرنى أن آتى مكان كذا وكذا، وأنا لا أقدر على ذلك المكان فكيف الحيلة‏؟‏ قال‏:‏ قل‏:‏ والله ماأبصر إلا ماسددنى غيرى تعنى‏:‏ إلا مابصرنى ربى‏.‏

باب‏:‏ قول الرجل للشىء ليس بشىء وهو ينوى أنه ليس بحق

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَقَالَ النَّبِى عليه السلام للْقَبْرَيْنِ‏:‏ ‏(‏يُعَذَّبَانِ بِلا كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ‏)‏‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَة‏:‏ سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَيْسُوا بِشَىْءٍ‏)‏، قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ، فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا، أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الباب أصل لما تقوله العرب من نفيهم العمل كله إذا نفت التجويد فيه والإتقان، فتقول للصائع إذا لم يحكم صنعته‏:‏ ماصنعت شيئًا، وتقول للسامر والمتكلم إذا لم يحسن القول‏:‏ ماقلت شيئا‏.‏

على سبيل المبالغة فى النفى، ولا يكون ذلك كذبًا كما قال عليه السلام فى الكهان‏:‏ ‏(‏ليسوا بشىء‏)‏ لما يأتون به من الكذب، يعنى الذى ليس بشىء وهو خلق موجود، وهذا الحديث نص الترجمة‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يعذبان بلا كبير‏)‏ عندكم ليسارة التحرز من البول والتحفظ منه، فنفى عنه أنه كبير لانتفاء المشقة عنا فى غسله على سبيل المبالغة فى التحرز مما يوجب العذاب، وإن صغر فى نفسه، ثم قال‏:‏ ‏(‏وإنه لكبير‏)‏ يعنى عند الله، لو ورد الشرع بالأمر بغسل البول وأن من خالفه فقد استحق الوعيد إن لم يعف الله عنه‏.‏

باب رفع البصر إلى السماء

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت‏}‏ وَقَالت عَائِشَة‏:‏ رَفَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ‏.‏

- فيه‏:‏ جَابِر، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى الْوَحْىُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِى إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابن عباس‏:‏ بت عند ميمونة والنَّبِىّ عندها، فَلما كَانَ ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الباب رد على بعض أهل الزهد فى قولهم أنه لا ينبغى النظر إلى السماء تخشعًا وتذللاً لله تعالى‏.‏

وروى عن عطاء السلمى أنه مكث أربعين سنة لا ينظر إلى السماء فحانت منه نظرة فخر مغشيًا عليه، فأصابه فتق فى بطنه‏.‏

وذكر الطبرى عن إبراهيم التيمى أنه كان يكره أن يرفع الرجل بصره الس السماء فى الدعاء، قال الطبرى‏:‏ ولا أؤثم فاعل ذلك؛ لأنه لم يأت بالنهى عن ذلك خبر، وإنما عن ذلك المصلى فى دعاء كان أو غيره‏.‏

قال المؤلف‏:‏ والحجة فى كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ثابتة بخلاف هذا القول فلا معنى له، وروى ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة، عن عمر بن عبد العزيز، عن يوسف بن عبد الله ابن سلام، عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء‏)‏ ذكره أبو داود‏.‏

باب من نكت العود فى الماء والطين

- فيه‏:‏ أَبُو مُوسَى، أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، وَفِى يَدِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏افْتَحْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ من عادة العرب أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام و فى المحافل والخطب، وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعانى، والشعوبية طائفة تبغض العرب وتذكر مثالبها وتفضل العجم، وفى استعمال النبى عليه السلام للمحضرة الحجة البالغة على من أنكرها وسأزيد فى بيان المحاضرة والعصى فى الباب بعد هذا إن شاء الله‏.‏

باب‏:‏ الرجل ينكت الشىء بيده فى الأرض

- وفيه‏:‏ عَلِىّ، كُنَّا مَعَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم فِى جَنَازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِى الأرْضَ بِعُودٍ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ‏)‏، فَقَالُوا‏:‏ أَفَلا نَتَّكِلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ،‏)‏ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى‏}‏ الآية‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 5‏]‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أُمَّ سَلَمَةَ، اسْتَيْقَظَ النَّبِى عليه السلام فَقَالَ‏:‏ ‏(‏سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ‏؟‏ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ‏؟‏ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ- يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ- حَتَّى يُصَلِّينَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏؟‏ الحديث‏.‏

وقد تقدم فى الباب قبل هذا أن الشعوبية تطعن على خطباء الهرب فى أخذ المخصرة عند مناقلة الكلام ومساجله الخصوم، وعابوا الإشارة بالعصا والإتكاء على أطراف القسى، وخد وجه الأرض بها والاعتماد عليها‏.‏

وحديثه عليه السلام أنه نكت الأرض بحضرة، وقال‏:‏ ‏(‏ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ من مقعده من الجنة والنار‏)‏ حجة على من أنكرها، والعصا مأخوذة من أصل كريم ومعدن شريف ولا ينكرها إلا جاهل، وقد جمع الله لموسى فى عصاه من البراهيم العظام والآيات الجسام ما آمن به السحرة المعاندون‏.‏

واتخذها سليمان بن داود لخبتهه وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبى عليه السلام وعنترته، وكان النبى عليه السلام يخطب بالقضيب وكفى بذلك دلايلا على شرف حال العصا، وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء، وروى عن النبى عليه السلام أنه طاف بالبيت يستلم الركن بمحجنه، والمحجن‏:‏ العصا المعوجه، وكانت العصا لا تفارق يد سليمان بن داود فى مصافاته وصلواته وموته، وقال مالك‏:‏ كان عطاء بن يسار المخصرة يستعين بها‏.‏

قال مالك‏:‏ والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشاب يتقوى بها عند قيامه وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصى يتكئون عليها، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم‏.‏

وسألت المهلب عن حديث أم سلمة فقلت له‏:‏ ليس فيه معنى الترجمة، قال‏:‏ إنما هو مقو لمعنى الحديث الذى قبله الموافق للترجمة بالقدر السابق على كل نفس وفى كتاب مقعدها من الجنة والنار فى أم الكتاب بقوله‏:‏ ‏(‏ماذا أنزل الليلة من الفتن‏)‏ يحذر أسباب القدر بالتعرض للفتن التى بالغ فى التحذير منها بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏القاتل والمقتول فى النار‏)‏ فلما ذكر أن لكل نفس مقعدها من الجنة والنار، أكد التحذير من النار بأن ذكر الناس بأقوى أسباب النار وهى الفتن والعبية فيها والتقاتل على الولاية، وما يفتح على الناس من الخزائن التى تطغى وتبطر، وليس عليه تقصير فى أن أدخل مايوافق الترجمة ثم أتبعه بما يوافق معناها‏.‏

باب التكبير والتسبيح عند التعجب

وَقَالَ عُمَرَ‏:‏ قُلْتُ لِلنَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قُلْتُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ‏.‏

- فيه‏:‏ صَفِيَّةَ، أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِى الْمَسْجِدِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ الَّذِى عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ بِهِمَا رَجُلانِ مِنَ الأنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِى صَفِيَّةُ‏)‏، قَالا‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا‏.‏

قال المؤلف‏:‏ التكبير والتسبيح معناهما تعظيم الله وتنزيه من السوء، واستعمال عند التعجب واستعظام الأمور حسن، وفيه تمرين اللسان على ذكر الله، وذلك من أفضل الأعمال‏.‏

باب‏:‏ النهى عن الحذف

- فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِىِّ، نَهَى النَّبِى عليه السلام عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ لا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ‏)‏‏.‏

الحذف عند العرب‏:‏ الرمى بالسبابة والابهام، وأكثر ذلك فى الرمى بالحجر، ومنه حصى الحذف فى الحج، وهذا من باب النهى عن أذى المؤمنين، وهو مثل قوله عليه السلام للذى مر فى المسجد بالسهام‏:‏ ‏(‏أمسك بنصالها لا تعقرن بها مسلمًا‏)‏ وهذا من باب أدب الإسلام‏.‏

باب‏:‏ الحمد للعاطس

- فيه‏:‏ أَنَس، عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِى عليه السلام فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِن هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ‏)‏‏.‏

وترجم له باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله‏.‏

اختلف العلماء أنه من عطس وحمد الله فإنه ينبغى لمن سمعه أن يشمته، وإنما اختلفوا فى وجوب ذلك على مايأتى بعد هذا، وأجمعوا أنه إذا لم يحمد الله أنه لا يجب على من سمعه تشميته‏.‏

والتشميت عند العرب‏:‏ الدعاء، قال الخليل‏:‏ يقال‏:‏ سمث وشمت- بالسين والشين‏.‏

قال ثعلب‏:‏ التشميت معناه‏:‏ أبعد الله عنك الشماتة، وجنبك مايشمت به عليك، وأما التسميت فمعناه جعلك الله على سمت حسن‏.‏

باب‏:‏ تشميت العاطس إذا حمد الله

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، وفيه‏:‏ الْبَرَاءِ، أَمَر النَّبِى عليه السلام بتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

قال المؤلف‏:‏ إن قال قائل‏:‏ كيف قال البخارى فى ترجمته باب تشميت العاطس إذا حمد الله، ولم يأت بذلك فى حديث البراء، وأنما دل حديث البراء على أن كل عاطس يجب تشميته، وإن لم يحمد الله؛ لقوله فيه‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله بتشميت العاطس‏)‏ وهذا لفظ عام‏؟‏ قيل له‏:‏ إنما أشار البخارى إلى حديث أبى هريرة الذى لم يأت بنصه فى الباب، وذكره فى الباب بعد هذا وفى الباب الآخر الذى بعده، وفيه أن النبى عليه السلام ذكر فيه التشميت للعاطس إذا حمد الله على ماتقدم فى حديث أنس قبل هذا فدل حديث أبى هريرة وأنس أن قول البراء أمرنا رسول الله بتشميت العاطس، وإن كان ظاهرة العموم فمعناه الخصوص وأن المراد به بعض العاطسين، وهم الحامدون لله تعالى كان ينبغى للبخارى أن يذكر حديث أبى هريرة بنصه فى هذا الباب ويجعله بعد حديث البراء، وهذا من الأبواب التى عجلته المنية عن تهذيبها، لكن قد فهم المعنى الذى ترجم به‏.‏

باب‏:‏ ما يستحب من العاطس ويكره من التثاؤب

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى وجوب التشميت، فذهبت طائفة إلى أنه واجاب متعين على كل من سمع حمد العاطس، هذا قول أهل الظاهر، واحتجوا بهذا الحديث وقالوا‏:‏ ألا ترى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فحق على كل مسلم أن يشمته‏)‏ فوجب على كل سامع، وذهبت طائفة إلى أنه واجب على الكفاية، كرد السلام، هذا قول مالك وجماعة، وقال آخرون‏:‏ هو إرشاد وندب وليس بواجب، وتأولوا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فحق على كل مسلم أن يشمته‏)‏ أن ذلك فى حسن الأدب وكرم الأخلاق كما قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏من حق الإبل أن تحلب على الماء‏)‏ أى أن ذلك حق فر كرم المواساة لا أن ذلك فرض؛ لاتفاق أئمة الفتوى أنه لا حق فى المال سوى الزكاة‏.‏

باب‏:‏ إذا عطس كيف يشمت

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ‏:‏ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ‏)‏‏.‏

اختلف السلف فيما يقول العاطس، فاختارت طائفة أن يقول‏:‏ الحمد لله، على ماجاء فى الحديث، وروى ذلك عن ابن مسعود وأنس، واختارت طائفة الحمد لله رب العالمين، وروى ذلك عن ابن عباس وابن مسعود أيضًا وهو قول النخغى، واختارت طائفة أن يقول‏:‏ الحمد لله على كل حال، روى ذلك عن أبى هريرة وابن عمر، وقال ابن عمر‏:‏ هكذا علمنا رسول الله‏.‏

قال الطبرى‏:‏ والصواب فى ذلك أن العاطس مخير فى أى هذه المحامد شاء، وقد حدثنا محمد بن عمارة، حدثنا عمرو بن حماد بن أبى طلحة، عن عمرو بن قيس، عن عطاء بن أبى رباح، عن مولى لأم سلمة، عن أم سلمة زوج النبى قالت‏:‏ ‏(‏عطس رجل فى جانب بيت النبى فقال‏:‏ الحمد لله، فقال له النبى‏:‏ يرحمك الله‏.‏

ثم عطس آخر فقال‏:‏ الحمد لله ربا العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ارتفع هذا على تسع عشرة درجة‏)‏‏.‏

وقد روى عن النبى كل ذلك فعله، وفعله السلف الصالحون فلم ينكر بعضهم من ذلك شيئًا على بعض، وقد اختلف أيضًا فى قول المشمت للعاطس، فقالت طائفة‏:‏ يقول له يرحمك الله، يخصه بالدعاء وحده على ماجاء فى هذا الحديث، روى ذلك عن أنس ورواية عن ابن مسعود، واحتجوا أيضًا بما روى عمرو بن دينار عن عبيد ابن عمير قال‏:‏ ‏(‏لما فرغ الله من خلق آدم عطس آدم، فألقى عليه الحمد، فقال له ربه تعالى‏:‏ يرحمك ربك‏)‏‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يعم بالتشميت العاطس وغيره روى عن إبراهيم قال‏:‏ كانوا يعمون بالتشميت والسلام‏.‏

وكان الحسن يقول‏:‏ الحمد لله يرحكمكم الله‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ يقول يرحمنا الله وإياكم، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وسالم وابراهيم‏.‏

واختلف السلف أيضًا فى الرد على المشمت فقالت طائفة‏:‏ يقول يهديكم الله ويصلح بالكم على حديث أبى هريرة، روى ذلك عن أبى هريرة وكان الشعبى يقول‏:‏ يهديكم الله‏.‏

وأنكرت طائفة أن يقول يهديكم الله ويصلح بالكم، واختارت أن يقول‏:‏ يغفر الله لنا ولكم، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبى وائل والنخعى وهو قول الكوفيين، واحتجوا بحديث أبى بردة بن أبى موسى عن أبيه‏:‏ ‏(‏أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي عليه السلام جاء أن يقول يرحمكم الله، فيقول‏:‏ يهديكم الله ويصلح بالكم‏)‏‏.‏

وقال مالك والشافعى‏:‏ إن شاء أن يقول‏:‏ يهديكم الله ويصلح بالكم، أو‏:‏ يغفر الله لكم لا بأس بذلك كله‏.‏

وقال الطبرى‏:‏ لا وجه لقول من أنكر ‏(‏يهديكم الله ويصلح بالكم‏)‏ لأن الأخبار بذلك عن النبى عليه السلام أثبت من غيرها‏.‏

واحتج الطحاوى لقول مالك بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏)‏ فإذا قال جواب قوله يرحمكم الله‏:‏ يغفر لكم، فقد رد مثل ماحياه به، وإذا قال‏:‏ يهديكم الله ويصلح بالكم‏.‏

فقد حياة بأحسن مما حساه؛ لأن المغفرة إنما هى ستر الذنوب، والرحمة ترك العقاب عليها، ومن حصلت له الهداية وكان مهديًا، وكان بعيدًا من الذنوب، ومن أصلح باله فحاله فوق حال المغفور له، فكان ذلك أولى‏.‏

باب‏:‏ إذا تثاءب فليضع يده على فيه

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ قد جاء فى آخر هذا الحديث معنى كراهية التثاءب وهو من أجل ضحك الشيطان منه فواجب إخزاؤه ودحره برد التثاؤب كما أمر النبى عليه السلام بأن يضع يده على فيه‏.‏

فإن قيل‏:‏ ليس فى الحديث وضع اليد على الفم وإنما فيه ‏(‏فليرده‏)‏، وقد يمكن رده بإلاق الفم‏.‏

قيل قد روى لك سفيان عن ابن عجلان، عن المقبرى، عن أبى هريرة أن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، فإذا قال‏:‏ آه آه، ضحك الشيطان من جوفه‏)‏ ذكره الترمذى فى مصنفه، وقال ابن القاسم‏:‏ رأيت مالكًا إذا تثاءب يضع يده على فيه، وينفث فى غير الصلاة، ولا أدرى ماكان يفعل فى الصلاة، وروى عنه فى المتسخرجة أنه كان لا ينفث فى الصلاة‏.‏

ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان إضافة رضى وإرادة أى أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الانسان؛ لأنها حال المثله وتغيير لصورته فيضحك من جوفه، لا أن الشيطان يفعل التثاؤب فى الانسان لأنه لا خالق للخير والشر غير الله، وكذلك كل ما جاء من الأفعال المنسوبة إلى الشيطان فإنها على معنيين إما إضافة رضى وإرادة أو إضافة بمعنى الوسوسة فى الصدر والتزيين، وقد روى أبو داود من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏إذا تثاءب أحدكم فليمسك يده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل‏)‏‏.‏